وصية الجدة

على الساعدى

أحلام البدري/ بنغازى – ليبيا
الأحداث المتلاحقة والتغيرات السريعة فى الشارع الليبى اثرت بشكل مباشر على النسيج الأجتماعى انقسام الصفوف مابين المؤيد والمعارض للبرلمان وللجيش والشرطة من جانب والتحاق البعض بتنظيم الشريعة وتبنى أفكار حزب الأخوان من جانب أخر، الانقسامات لم تكن بين الأحزاب والتكتلات أو بين الأصدقاء فقط ، وانما وصل مداها داخل الأسرة فثمة من يؤيد وثمة من يعارض الى درجة التطرف والتشدد – فأصبح الجميع يفقد ثقته فى الأخر بشكل سريع ومخيف .
منذ أن علمتُ بمرضها وأنا حريصة على السؤال عنها ، جدة صديقتى تذكرنى بجدتى نساء بنغازيات لايُجدن القراءة والكتابة ولكنهن يتمتعن بحكمة وعقل راجح وقوة بصيرة شدت وثاق عائلات لها أصوال وجذور عريقة .
تعانى من مرض القلب فقد سبق وأن أجرت عملية على القلب المفتوح ، تدهورت صحتها واختفت ملامح ابتسامتها تكاثف خطوط تجاعيدها بداءت تخبر الجميع بأن الجدة فى الرمق الأخير ، التف حولها الأبناء والأحفاد أثنان وعشرون هى امتداد شجرة عائلتها من الأحفاد تهمس قلوبهم والسنهم بالدعاء لها بالشفاء ، بعد أيام فى غرفة الانعاش أستيقظت وبداءت فى تمتمة الأسماء بشكل أثار دهشة الجميع – كل من ذكرت اسمه وقف بفضول يترقب ماتقوله وطلبت منهم ان يأخذوها الى بيتها تشتاق سريرها وغرفتها .
أخر كلماتها…
حنونة هى تلك الجدة فرح الجميع بعودتها جلست فى مكانها المعتاد وهى تبتسم للجميع وبداءت تتلو عليهم وصيتها …( رد بالكم من بعضكم القوى يشيل الحمل مع الضعيف البلاد فى حرب طويلة لأن فيها موت وقتل ،والنفوس اللى شايله الحقد والغل سنين طويلة وماتصفى ، سامحوا بعضكم الدنيا فراقه – شفتوا كيف الرصاص يأخذ العزيز عليك فى غمضة عين )
ثم أشارت بأصبعها الى أحفادها الشباب ( انشالله نفرحوا بيكم الله والنبى نوصيكم نبى عائلتى تحط يدها فى يد عائلات من كل ليبيا هاتوا عرايس من الغرب مصراتية وازورية وزنتانية ، ومافى بأس تدخلوا فى نسب لبناتكم مع الدرونه والطرابلسية والمراوجه والطبرقه والاوجله ) عاملوهن بطيبة وكأنهن بناتكم .
أشارت لثلاثة من أحفادها أطباء  (أفتح عيادة فى مدينة ليبية غير مدينتك تعرف على ناسها وتأكل معهم عيش وملح يستفيدوا من خبرتك وتعلمهم اللى تعلمته )
( ماديرش خصومة بينك وبين أصحابك على السياسة تخسر رفاقك ويكسب اللى بايع بلاده )
( ساعدوا بعضكم تبنوا صيت وسمعة ترن كيف الذهب لاتسرق لا تكذب لاتعدى على خوك المؤمن – ولاتشيل سلاح فى وجه خوك وجارك وصاحبك ، الزمان طويل وكل خصلة عفنة فيكم تربطوها بعيالكم )
( أفتحوا عيونكم ورد بالكم على بلادكم بلادكم مافى وطن كيفها والغريب سيوره لبلاده )
لفظت الجدة انفاسها بعد ست ساعات من وصيتها ، كم سنشتاق لجدة مثلها تتلو وصيتها وتجمعنا على حب الوطن وتدعو لجمع الشتات بكل حب ومودة بعيدا عن الأحقاد والدم .

 

 قصة واقعية دفنت الجدة يوم 22 أكتوبر 2014
الصورة للمصور على الساعدى

أضف تعليقاً