ايدي قاسية تقودهن للموت

 

b3870ef0eecda9b5bb550fa5e6f2a0f9
سبق نشرها على صفحات السفير العربي – موقع باب الماد العالمي
يمتد الكَون الى ما لا نهاية كل الأشَياء لم تُخلق عبثا مخَتلفة متضَادة مُتجانسة يكّمل بعضَها الأخر ولا تكتَمل الا بقُطب لايشبه الأخر فى صَفّاته ومعَايير القيَاس لكل العنَاصر التى يحَتويها.
الجَاذبية والطَاقة فى مراحَلها العمَيقة وهى تلفَنا مابين الموجَب والسَالب النهَار واللَيل والصَبح حين يتنفس والغروب حين يغُفو ، الأبيَض فى نقائه يتوشح السَلام والأسَود نتمرد عليه ويتشبث بنا ، المَاء ودفقه الجّارف الحَنون ، وهُطول المَطر يروي العَطشي يعيد الحَياة والزلازل تشّق اخَاديد الأرَض معلنة الدمار ، والرجل والمرأة عبثا هى كل المحٌاولات التى تجعل من طَرف مركز قوة والأخر نقَطة ضَعف كلاهما يخلق التّوازن ، والأيدى وهى تمتد يمينا ويسارا تتشابك وتُبدع وتقتنّص قبّضة من الحَياة.
يّلفنا المُحيط بمتغّيراتَه نتنفس الأكَسَجين بيُسَر وببعض من التَلوث ويفرض علينا الامتثال له حينا ونتَمرد أحيانا أخري ، لتبقي القضية الإنسانية هى شُغلنا ومحور اهتمامنا كيف نتعايش مع البشر بطبّاعَهم المختلفة ذكَورا كانوا ام إنَاثا ، يفصل بيننا الباب والنافذة والشارع والطريق والفكر والثقافة والعادات والتقاليد والدين واللون والجنس ، الّاّ الايدى لا يمكن لأحدهم منعها من أن  تمتد للَسَلام للأحَتضان للأكل للإنجَاز للإبداع للإحَتواء لإعادة الحَياة نفسها ولكنها كّكل المتغيرات ستختلف يد الذكرعن يد الأنثى حين تُقرع طبول الحرب وتتساقط قذائف الموت.
فاطمة فقدت زوجها فى الحرب ترك لها خمسة أطفال وهى لم تكمل الثلاثين من عمرها بعد ، وجدت نفسها مابين مطرقة الأرملة وسندان المجتمع ، خالية الوطاف من شهادة اكاديمية تُعُينها على دفّة مركبها فى مشوار طويل ، قليلة هى الأيدى الحانية حولها وكثيرة تلك الأيدي القاسية التى لاتَتٌوانا على لف حبل العادات والتقاليد واسطوانة الدين على رقبتها وكأنها هى من اشَعل فتيل الحَرب ونصب خيامها ودفن زوجها بين الحوائط المهجورة.
فى ليبيا البندقية حملها ذكر وكذلك القذائف التى أطُلقت ، وكراسي السياسة المقيتة للذكور، صوامع الجوامع يفُتئ وينشر التطرف فيها ذكور ، دقيق المدينة سرقه الذكور ، من خطط ونهب وحرق ممتلكات الدولة ذكور ، من فض بكّارة العّذاري ورمي بهن على طرقات العوز والحاجة ذكور ، من ذبح جاره وطعن صديقه خلف ظهره ذكر ، من زرع الطرقات بالألغام فغدا حصاد الأرواح فيها يشبه الكابوس ، من يحَتسي من أكواب الرشاوى ذكور، من اوصل والديه لباب دار المسنين ذكر، ومن تغاضي عن دمعة يتيم كدموع أطفال فاطمة هم من الذكور.
لمَا ترتبط كل الايَدى المؤذية الملوثة بالدم والمغمورة بالحقد والضّغينة ببعض الذكور ، فاطمة واحدة من الآلف النساء ضَحايا الحرب كتب القدر المُشين لهن طريق متعثرة بتبَعات مُنهكة فى وطن ممتد على رقْعة كبيْرة يطفْو على نفٌط يتقّاسمه اللصَوص ولايآبهون بمن حولهَم وأكثر من يدفع الثمَن فيه بلا رحَمة فاطمة ورفيقاتها وجارتها وأخواتها وكل من يحتويهن المحيَط المسّكون بالدم والرصَاص . 
التعب أنّهك قواهَا كلما ظنت انها تتَعافَي تجد نفسها وقد رجَعت لنقطة فى دائرة مفَرغة ، مكرره بأن زوجها الشَهيد لو كان يعلم ما حلّ بها وأبناءها كان حتما قد تراجع عن التَقدم فى ذلك اليوم العَاصف الممطر ، هى مثال على قسّوة خنَجر المجَتمع المغَروس فى النسَاء بلا رحَمة ، المعتاد فى ليبيا حالما يتوفي الزوج بعد انقضاء ثلاث ليال من مراسَم العزاء يتم اصطحاب الزوجة المثكولة بلباس أبيض (الربّاط) الى منٌزل عائلتها التى خَرجت منه ولم يعد شئ يربطها بالمكان سوي ذكَريات طفولة بائّسة اثمرت بنضُوجها لتزُف شابة يافعة الى بيت الزوجية قبل ان تُكُمل تعليمها وأن تعّي مامَعني الاعتماد على النفس والاستقلالية ؟ وكيف تقف فى طابور المصرف بلا نهاية وهى تحمل اطفالها يشاركونها الذل ، وكيف تتجنب النظرات الشرهة لعامل المستشفي والتحرش من مصلحة الاحوال المدنية ؟ كيف تُراعي طفلٍ ارتفعت حَراَرتٌه وأخر جائع يتضور جُوعا ؟ وكيف تحتمل اقدام الطفل وهى تتخبط بين احشائها فى خامس اسبَوع من تكوين نطفته ، كَم ذرفت من دمٌوع حين علمَت بحَملها كانت تود لو انها جفَفت كل ذلك المّني الدافّق وخنَقت الحيوانات المنوية قبل ان تعانق بُويضتها النّدية.
يمر كل يومٍ تكبر فيه مئة مشكلة لا تجد لحلها سبيلا سريعا ، تتفاقم مشاكل الأرامل تحت ركام الحرب ، ظاهرة ارتفاع الارامل وعدد الايتام ابعادها الاجتماعية والنفسية خطيرة فمن يجيب عن اسئلة الصغار حين يكبرون ؟ من قتل والدهم وكيف قُتل؟ ولماذا لم نسكن منزل محترم ؟ ولمَ لم نتلقي تعليم محترم؟ لماذا احذيتنا مهترئية ، ولانمَلك سيارة تنقلنا للمدرسة ؟ لماذا لا نلعب ولماذا خَزانة الالعَاب فارغة ؟ لا احد يعّى مامعنى الانكسّار فى الّسند والمُعين فى وطن جدرانه تَسترق آهات النفس الموجوعة بالفقد وتحيلها الى فاتورة تحت الرقابة قريبة من مقصلة الموت البطئ لنلعن الحرب مليون فوق المليون فضّحاياها كل تلك النسّوة اللواتى يقال تحت اقدمهن الجنة ، وآى طعَم لجنة الآخرة حين لاتتوازن مع جّنة الدنَيا.

أضف تعليقاً