آرث وقفل بلا مفتاح

 

IMG_14384146573977
أحلام البدري / بنغازى – ليبيا
ليبيا أسم عمره عشرة الالف سنة ماقبل التاريخ لو تتتبعنا لرأينه بلد أحتضن الكثير من الحضارات وكان نقطة التقاء لكثير من الشعوب التى اتخذت منها ملجآ ومحطة عبور مابين قارة افريقيا وأوروبا عبر الصحراء الى البحر المتوسط ، مرت على ليبيا الحضارة الرومانية والإغريقية واستوطنت فيها شعوبا كثيرة ومن ليبيا خرجت الكثير من الشخصيات التى كانت شاهد على تلك المراحل ، سبيتيموس سفييروس ليبي استطاع ان يحكم الامبرطورية الرومانية الشرسة ، شيشنق الليبى حكم مملكة الفراعنة وتوارث من بعده الأبناء والأحفاد ، كثير من الثورات والمعارك مرت فوق ترابها ، وأعنفها كان نضال الأجداد ضد الايطاليين ، فحين تقاسم الغزاة القدامى الرقعة العربية كان نصيب ليبيا العاطل بين ايدى الايطاليين حاربهم الأجداد على الارض تارة بشراسة وتارة أخرى بخبث كانوا يدفعون ثمنه اعتقالا او أعمال شاقة  ، اليوم لاننسى ان الغزو يغتالنا كل يوم بطرق حديثة مواكبة للتطور ، ماكان يستطيع اى عدو الولوج والتغلغل القديم منه والجديد الا بمساعدة الوشاة والعملاء هتلر لم يبالغ حين قال (أكره من مكنونى من احتلال اوطانهم ) ، اليوم ليبيا بعد تغلل الارهاب فيها واستيطان شبكة تصدر الهجرة الغير شرعية الى بوابات اوروبا عبر البحر المتوسط وتدفق الوافدين الى حدود جنوبها المفتوح على غابات قارة افريقيا متفقدين فيه بعضا من حبيبات الذهب المنسية على حدودها ، وفرض  عسكري فرنسي علنى ومتخفي على مدرج الصحراء ( فزان ) بين الفينه والاخري .
ماذا ترك الايطاليون فى ليبيا ؟
لم يترك الايطاليون ذلك الآرث القيم الذى يستحق الابهار فى ليبيا مقارنة بما تركه غيرهم ممن احتلوا دولا فى الجوار بالرغم من ان الاستعمار يبقي  استعمار همه نهب الثروات وذل الانسان واستعمار الطليان فى ليبيا كان فاشيا بامتياز .
 بعضا من كنائس كاثوليكية ومدارس مهترئية لم تصمد كسابقاتها ، وبعضا من المبانى توزعت مابين اقليمى طرابلس وبرقة باعتبار فى ذلك الوقت ليبيا ثلاث أقاليم طرابلس وبرقة وفزان –  وبعضا من اطراف اسواق صغيرة توحى بازدهار تجارة لم تستمر  ومزارات ثقافية تئن من الإهمال بدليل انها لم تجذب حتى المهتمين بالثقافة والتراث بدرجة كبيرة لم يسعوا الى  تجديدها او أعادة ترميمها بفرض واقع على اى مسؤول  – ولغة تداولها من عاصر تلك السنوات فقط اما الباقي فيسعى الى تعلمها كهواية لا أكثر ، لم يمكنوا اللغة من التغلغل بين اهل الوطن الى جانب اللغة الأم العربية مقارنة بتغلل واستمرار اللغات الاخرى فى المناطق التى كانت ضمن استيطان الدول المجاورة  ، تركوا فى ليبيا عشق  أكل المكرونة (المبكبكة )  وهى نوع من انواع الباستا وشرب المكياطة وهى نوع من انواع القهوة وبعضا من المسميات العينية وكثير من العصبية والهمجية فى التعاملات اليومية والرسمية.
  لا تستغرب حين تجد فى ليبيا اجيال لا تجيد اتقان اللغات بطلاقة من خلال المدارس والجامعات ، اللغات مُنعت من المناهج الدراسية الحكومية فى حقبة الثمانيات المكتنزة بالجهل والإفلاس الفكرى ،  فلن تنسي الذاكرة امين التعليم فى ذلك الوقت وهو ذراع من اذرع النظام السابق التى عاثت فى البلاد فسادا وجهلا حين اصدر قرارا بحرق كل مناهج اللغة الانجليزية داخل المدارس والمؤسف كان اجبارا الحرق بأيدى الطلبة وسط الترهات والهتافات المشينة فكانت أكوم الكتب المحروقة فى ذاكرة الطلبة لن يستطيعوا نسيان تفاصيلها ، فحصيلة مازُرع فى الاربعة عقود من دمار للعقول وقتل لطموح الانسان هو تراكم مانراه الان وسط الفوضى السياسية وتناحر الاحزاب على المناصب والكراسي وبيع الوطن ونهب ثرواته لانه ببساطة قتل روح الانتماء عندما منعهم من تعليم محترم بأسس متينة ترسخ حب المكان بعمق.
التراث القديم فى ليبيا مدفون فى مقبرة ، حضارات تعاقبات على ارضيها قادمة من البحر غرهم قرص الشمس ساعة الغروب على صفحة البحر كأغراء الحسناوات الرومانيات فوق لجة الاله الاغريقي ، اليوم فى ليبيا ماعدنا نسمع الا عن نهب وسرقة لبواقي ذلك الإرث المحمل باترابة الاهمال فى غياب دور لوزارة السياحة التى لو استقام تفكيرها لكانت ليبيا فى موكب بهي ، فالسياحة كما التنمية الثقافية تجلب السواح ،  فليس ثمة من يعلم ان التنمية الثقافية وتثمين التراث تدرجات لابد منها ليكون ركيزة اقتصادية يساهم من خلالها فى حفظ الآثار والتاريخ والأخذ به للتطوير من جديد .
فالتخريب الذى يلحق بالمواقع الاثرية من سرقة وسوء استعمال وسوء تخزين مؤسف وخطير سُرقت ونُهبت الكثير من القطع القيمة من مدن ومناطق تاريخية منها طلميثة و توكرة و شحات ولبدة و صبراته وتراث الجنوب – ظهور داعش المكتسح بأفكاره المتطرفة وهدفه القضاء على الحضارات والآرث التاريخي التى مرت عبر التاريخ ليستبدلها بزرع الشر وثقافة القتل والدم والانتقام ، نُهب تمثال الغزالة من وسط العاصمة طرابلس وهُدمت الكثير من الجوامع القديمة والمباني التاريخية فى مدن مختلفة فى ظل انتشار السلاح وتغلل الارهاب بداءت تفقد فيه ليبيا كنوزها الاثرية القيمة الشاهدة على مراحل تطور مرت بها يوما ،  لنعرج ونرى ان التراث الثقافي وسط سعير الحرب والشتات والسياسة غير مدرج فى اولويات الاهتمامات فهو لدى الكثيرين من الجهلة هو نوع من الترف ، فترى البلاد تتعطش لمعارض للكتب وعلب الوان خشبة مسرح راقي ودور عرض سينمائية وفرق موسيقية ومهرجانات تصدح بالفن القيم يرسم ملامح اللحظة موثقا المكان والوجوه صانعا من الحدث ملتقي للإبداع مواكبا الحديث وراعيا للقديم.
دولة ليبيا النفطية مارس ويمارس عليها اعنف انواع الديكتاتورية وأبشع طرق الاستغلال والاستنزاف لثروات الطبيعة الخيرة فى عهد القذافي ومتابعها من تركة همجية نعانى من ويلاتها ، فمخرجات الجهل وقلة الوعي وغياب أسس التعليم وانعدام الوطنية ذبذبات سالبة فى بوتقة مخرومة وسط صراع سياسي داخلي بتخطيط اخطبوطى خارجى المواطن البسيط الكادح هو أكثر الخاسرين لانه ثروة بشرية مستنزفة فى غياب المرافق الخدمية المتطورة والمريحة نجده قد غاب ابداعه وضاعت فرصة الاستفادة منه للبناء والعمار وليس للحرب والدمار كل ذلك كان كافيا ليتربع الإحباط ويفوز الاختلال بهدفين.

أضف تعليقاً