حين يعانق القلم الريشة وحين تصرخ الألوان منتشية بروعة اللحظة التى جمعتها بموكب الثمانية والعشرون حرفا وهى ترقص فرحا على وقع خطوات بخط جميل فحتما علبة الألوان ستسكب اروع مالديها لمداد الخط الأسود.
رسامتان شابتان ليبيات مفعمات بالحياة لم تجمعهن الصداقة فقط وانما جمعهن سكب القلم وجنون الريشة وروعة خطنا العربي وعفوية التعامل وبساطة الأفكار وعمق الهدف فكان معرض (نشوء) تحدى وإصرار وإبداع مابين الرسم والخط كان الانبهار فيه سيد المكان.
الرسامة راوية حسين الككلى عمرها ثمانية عشر ربيعا طالبة اعداد فى كلية الطب ، تحدثنى ببدايتها كانت ترسم بقلم الرصاص ثم تطورت تدريجا وأخذت تعبث بالألوان الزيتية الى جانب تجربتها مع الألوان المائية والاكريليك كونها لها قدرة على ايصال الفكرة وخلق احساس عند الطرف الاخر .
الموهبة تحتاج للاهتمام والرسم يحتاج للدراسة والإلمام بكل التفاصيل حتى يكون نتاج ابدعي مبنى على اسس سليمة ، فى ليبيا لايوجد معاهد متخصصة منتشرة لتعليم فنون الرسم فهو فن مثل سائر الفنون الاخرة التى يفتقد فيها الاحتواء والتخصص ، اما الموهبة تأخذ الحيز الأكبر فتنمو بين ايدى وخبرة الرسام .
الرسامة تقوى ذات السبعة عشر ربيعا تدرس فنون و أعلام تتبع ذبذبات القلم فى محراب الحروف لتنسج عبر الخط تمازج يبهرك بالروعة ، تتقن تقوى الكتابة بالخط وتري فى تلك اللحظة التى تعانق فيها القلم لحظة صفاء وخشوع .
لم تكن فكرة المعرض سهلة خصوصا فى عدم وجود جهة رسمية داعمه كوزارة الثقافة مثلا او مراكز النشاطات الطلابية فى الجامعة ، ولكن الإصرار والتحدى بعد تجربتهن العفوية ليتشاركن لوحة واحدة مزجنا فيها الرسم بالخط العربي بعد اتفاق مسبق ، هى التى زادتهن اصرارا فكانت عائلاتهن خير داعم للوقوف الى جانبهن حتى خروج تلك اللوحات تحت النور لتحظى بأكاليل الاعجاب.
الخطُّ تَصوُّفٌ .. في محرابِ الخطِّ .. يلزمُكَ الزُهد! يلزمُكَ العزلة! .. والصفاء من الكدر .. والخلوة بأدواتك .. فإن: تهذيب القلم وبريه.. وضوء .. وقطُّ القلمِ .. خشوع .. وتقهير الورق ذِلة وانكسارٌ وخضوع.. ووضع القلم على الورقة.. سجود .. وجريانه عليها صلاة وتناول الحبر مدد .. وقت الصلاة لا حديث .. كذا وقت الكتابة تحبس النفس .. إلى أن تسمو روحك وتنجذب.. تنجذب جذبة.. كجذبة الملكوت للنقطة.. نقطة الأصل.. رب العزة! وهذه الجذبة كجذبة الحلاج وابن الفارض معًا.. لا تفيق بعدها أبدًا!