اعيدوا للطلبة مقاعدهم- مدارس بنغازى تحت سطوة الحرب

هيما

أحلام البدري /بنغازى – ليبيا
هل لك ان تتخيل مدرسة  تحوي فصلا دراسيا يحتضن سبورة ومقاعد وجدران تتزين بخريطة الوطن وقصيدة عن العلم ان يصبح بؤرة دعارة ومبيت للنازحين.
حين يتسابق المتآمرون على خذلان الوطن وتشتد وطاءه الحرب وتضيق الخناق على من يمرون بطرقاتها تسرق منهم لحظات الهدوء تبعثر ذكرياتهم بين بقايا الركام تؤجج فى نفوسهم بعضا من حقد دفين تقف بهم بين مفترق السير فيه موحش مبهم معتم بارد وطويل – حينها ستستيقظ وتجد المدارس فى مدينتك مكتظة بالنازحين وأصبحت الفصول الدراسية  مفترشا للنوم ومقاعد الدراسة تتحول الى ارفف للمؤن و مخزنا للأحذية وتكتشف ان الستار العازل مابين عورات النساء والرجال سقط غصبا قهرا حين طال أمد النزوح وتعشش الفساد بين اروقة صالة المسرح وعينات قاعات المعامل التى تستخدم للمواد العلمية، وأصبحت الممرات بينهما ملتقي لعابرين متسولين اجتاحتهم البطالة حين اجتاحت القذائف بيوتهم.
مدارس ومداس الحرب…
الطلبة والمدارس والدراسة وملحقاتها هن أكثر من يتضرر بهزات الحرب ، ثلائمة وخمسون  مدرسة اجمالى المدارس على مستوى المدينة اليوم فى بنغازى أكثر من خمسة وستون مدرسة يسكنها النازحون من مناطق الاشتباكات الذين اضطروا الى ترك منازلهم وما تحتويه من تحويشة العمر واربعة وعشرون مدرسة تأوئ لاجئين تاورغاء الذين هجروا من مدينتهم الواقعة فى الغرب الليبيى منذ احداث حرب 2011 – عند دخولك من باب مدارس النازحين سيصيبك الاحباط من كميات القمامة والأحذية المترامية وصريخ المتخاصمين وانتظارهم لدور فى طابور دورة المياه المشتركة وإسفاف بعضا ممن يطلق على انفسهم آمن المدرسة الذين هم فى حقيقة الامر مجموعات مسلحة تصول وتجول وتساوم على شرف النساء ولقمة عيش الفقراء ويتطاول الآخرون على التحرش بالأطفال خلف الأبواب المقفلة .
بقايا نصف نجمة وبنية التعليم الليبي …
كل المقارنات التى تحدث ويتحدث عليها المواطن الليبي الذى عاصر ايام التعليم الذهبي فى المملكة الليبية ليدخل بعدها فى دوامة ابدية ترافقه التجارب والنصوص الثورية الجماهيرية لأربعة عقود وتلتها أربعة سنوات دموية ،لم تجد فى التصنيف الا نصف نجمة باهتة معتمة ،مقارنات فى بنية تعليم ضعيفة ومناهج تلقين ركيكة لم تصل لمستوى مرموق وغياب كبير لإتقان  اللغات بطلاقة ، وكيف لها ان ترتقى تلك المناهج واللصوص يحاصرونها من كل جانب ،لم يتخذ المسئولين الذين تعاقبوا على الجلوس فوق كراسي الشخصنة واللامبالاة اى دور يساعد على اضافة تعليمية تعزز المفهوم والنظرة المختلفة التى تنعكس على السلوك والأخلاق وتفتح مسمات العقول لتقبل الآخر وتحليل الواقع بوسائل عميقة فحين يتكئ المجتمع على عكاز الجهل سيختفى الإبداع الى غير رجعه وتظهر فجوات لن يستطيع جيل كامل ان يرممها والتعليم غائب عن ممارسة وتطبيق دوره الفعلى والعملي داخل المحيط الليبي.
وليد وياسر وخالد أطفال لم يتجاوزوا الثانية عشر يتعرضون للتحرش ، هبه وأنعام وخلود شابات فى مطلع العشرينات يتعرضن للمساومة والتحرش ، والفصل فى أخر الممر المظلم يستعمل كوكر للدعارة حين يسدل الليل خيوطه تقتات به بائعات الهوى مابين علبة حليب وكروت لشحن النقالات ومستلزمات شخصية ، فى اعتقادهن كل الأبواب اوصُدت ولا مجال للحصول على مال إلا بين حوائط ذلك الفصل الذى كان يوما ممتلئ بطلبة وكتب وأناشيد مدرسية ، ناهيك عن المدارس التى تتعرض للقصف العشوائى تُحصد فيها ارواح الأطفال الأبرياء .
العام الدراسي مابين مدارس الحكومة ومدارس ذاتية …
المتعارف عليه غالبا ان مابين شهر اكتوبر ونوفمبر يبدأ العام الدراسي وتفتح المدارس ابوابها ، فى المدن الآمنة نوعا ما فى ليبيا فتحت ابواب مدارسها ومعاهدها وجامعاتها ، فى بنغازى المدارس يسكنها النازحون والبقية فى مناطق الاشتباكات اضطر بعض الأهالى للجوء الى مدارس صغيرة خاصة لا تتبع الحكومة اقساطها مرتفعة وليست بالمستوى المطلوب فهى تقتصر على من لدية قدرة مادية فقط ، حنان وزهرة شقيقتان نازحتين فى بيت والدتهن مع اطفالهن حنان يستيقظ اطفالها صباحا للذهاب الى مدرسة خاصة بينما اطفال زهرة ينامون او ينظرون بلهفة ويتذكرون دفاترهم ومدرستهم وأصحابهم لانه بكل بساطة لايملكون ثمن الالتحاق بالمدرسة مضطرة ان تسايرهم وتجد اعادة ماتعلموه فى سنواتهم السابقة مدخرا لتهون عليهم صعوبة التحاقهم بمدارس فى الحرب ، الفوضى تعم أغلب المدارس حيث اتخذت ادارة جامعة بنغازى أكثر من ثلاثين مدرسة مقرا لإعادة الفصول الدراسية للطلبة بعد انقطاع دام عام ونصف وقسمت الجداول مابين الفترة الصباحية والمسائية.
هى الحرب تنتفض فيها بجهدك ومالك وتخسر فيها أعز ماتملك ؟ ولكن لاوجع يشبه الخسارة الفكرية والأخلاقية فالإرهاب يحارب بالتعليم بالتوعية ولن تنهض المجتمعات وتنتفض على الطوفان الأسود الا تحت مظلة العلم المزدهرة اعيدوا الحياة والهيبة للتعليم فبه تنهض الأمم وترتقى الأجيال.
الصورة للمصور ابراهيم التواتى

أضف تعليقاً