عام هجرى وطقوس جدتى البنغازية

12115593_1047390511947674_7784564620849765480_n

أحلام البدري / بنغازى – ليبيا
الطقوس هى روح المكان تغيب الوجوه ولكنها تعبق برائحتهم نعتادها نمارسها بحب ، وبعضا الآخرين يسقطونها ولاتستهويهم متابعتها حين تستحضرها اجندة التواريخ .
العام الهجرى فى الذاكرة الليبية له طقوس بدايته شهر يسمى (محرم ) بداية يتفأل بها  جميع المسلمين ويلقون السلام والتحايا والأمنيات ، جدتى رحمها الله سيدة بنغازية جميلة حكيمة نفحة الطقوس الليبية عامرة فى بيت جدى الدافئ بابه مفتوح للجميع نطلق عليه (جنان السكر) بمعنى حديقة السكر أحلى الأيام وكثير الذكريات التى لاتفارقنا – كانت فى ليلة العام الهجرى ترش زوايا البيت بجير ابيض وقليل من السكر تيمنا بالبياض صباحا نجد على مائدة الافطار البيض الأبيض المسلوق تنبهنا بتناوله حالما نستقيظ ثم تطبخ وجبة الغذاء المعروفة فى ليبيا (الفتاشه) وهى عبارة عن كسكسو (كسكسي ) مطبوخ على القديد وهو عبارة عن لحم العيد المجفف وخصيصا منطقة (الضلوع فى جسم الخروف) تشلح بالملح ويتم نشرها فى الشمس حتى تجف تماما .
حكاية الفتاشة …
ليلة الفتاشة ينقع القديد فى الماء حتى تخف كمية الملح منه ثم يطبخ عليه الكسكو الليبي – هو لايختلف فى مراحل طبخه عن الكسكسى التونسي والمغربي ولكن المطبخ الليبي يستعمل فيه البهارات الحارة بكثرة .
الفتاشة كسكو خضرة بالقديد كل انواع الخضار الموجودة توضع فوقه البطاطا البكيوه (القرع العسلي) السفنارى(الجزر) الكوسا قرون الفلفل الاخضر اللفت وحبوب الحمص المنقوع وقليل من الكسبر والمعدنوس وكثير من التوابل الحارة الفواحة – وجبة شهية لذيذة تجتمع عليها افراد العائلة فى طبق كبير مصنوع من الخشب مرافقا له (المصير ) الفاتح للشهية وهو نوع من المقبلات معمول بفلفل اخضر حار وقطع من الخيار وليمون وثوم وكروية وكسبر اخضر ، الفتاشة هى مرة واحدة فى العام  كانت جدتى تقول تناولوها بتلذذ واملوء بطونكم بها  فثمة من يأتيكم ليلا اذا وجد بطونكم فارغة فسيضع بدلا عنها الحيط الثقيل فنتسابق على تناولها وقبلها نكون قد ارسلنا لبيوت الجيران من حولنا حصتهم منها لتذوقها وهم كذلك يفعلون .
كانت بيوت الجدود نتعلم فيها الدين الوسطى بلا مواعظ مملة وخُطب عقيمة ،  تحثنا جدتى بود العام الهجرى افتحوا فيه خزانة الملابس من لم يرتدى اى قطعة منها او اى ملبوسات وأحذية لم يستعملها طوال العام ضعوها فى أكياس نظيفة وأخرجوها صدقة للمحتاجين دون ان يمًن احدكم بما قدمه وكانت ترافقنا حتى تطمئن ان كل شئ على مايرام ، دروس افتقدنها وسط الشتات والتطرف الفكرى والتشدد الدينى والتعصب الذى خلف معتقدات غريبة اثرت سلبا على سلوك الكثيرين نفرت الأقارب والجيران وقطعت كثير من حبال المودة بينهما .
اليوم وفى أول العام الهجرى حرص الكثير من سكان بنغازى على اقامة نفس الطقوس متغلبين على ظروف النزوح والحرب تملؤهم الأمنيات بعام سلام وأمان كتلك العتبة المرشوشة بالبياض والسكر .

أضف تعليقاً